والأشعري يبطل تأويل من تأول الاستواء بمعني الاستيلاء والقهر، بأنه لم يزل مستوليًا على العرش وعلى كل شيء، والاستواء مختص بالعرش، فلو كان بمعني الاستيلاء لجاز أن يقال : هو مستو على كل شيء وعلى الأرض وغيرها. كما يقال : إنه مستولٍ عليها. ولما اتفق المسلمون على أن الاستواء مختص بالعرش، فهذا الاستواء الخاص ليس بمعني الاستيلاء العام، وأين للسلطان جعل الاستواء بمعني القهر والغلبة، وهو الاستيلاء ؟
فيشبه ـ واللّه أعلم ـ أن يكون اجتهاده مختلفًا في هذه المسائل كما اختلف اجتهاد غيره، فأبو المعالي كان يقول بالتأويل، ثم حرمه، وحكي إجماع السلف على تحريمه، وابن عقيل له أقوال مختلفة، وكذلك / لأبي حامد، والرازي، وغيرهم.
ومما يبين اختلاف كلام ابن فورك أنه في مصنف آخر قال : فإن قال قائل : أين هو ؟ قيل : ليس بذي كيفية فنخبر عنها إلا أن يقول :[ كيف صنعه ؟ ]، فمن صنعه أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء، وهو الصانع للأشياء كلها.
فهنا أبطل السؤال عن الكيفية، وهناك : جوزه، وقال : الكيفية هي الصفة، وهو ذو الصفات، وكذلك السؤال عن الماهية، قال في ذلك المصنف : وإن سألت الجهمية فقالت : ما هو ؟، يقال لهم :[ ما ] يكون استفهامًا عن جنس أو صفة في ذات المستفهم. فإن أردت بذلك سؤالًا عن صفته فهو العلم، والقدرة، والكلام والعزة، والعظمة.
وقال في الآخر : فإن قال قائل : حدثونا عن الواحد الذي تعبدونه ما هو ؟ قيل : إن أردت بقولك : ما جنسه ؟ فليس بذي جنس، وإن أردت بقولك : ماهو ؟ أي : أشيروا إليه حتي أدركه بحواسي، فليس بحاضر للحواس، وإن أردت بقولك : ماهو ؟ أي : دلوني عليه بعجائب صنعته وآثار حكمته، فالدلالة عليه قائمة. وإن أردت بقولك : ما اسمه ؟ فنقول : هو اللّّه، الرحمن، الرحيم، القادر، السميع، البصير.