وهو في هذا المصنف أثبت أنه على العرش بخلاف ما كان عليه قبل العرش، فقال : فإن قال : فحدثونا عنه أين كان قبل أن يخلق ؟ قيل :[ أين ؟ ] تقتضي مكانًا، والأمكنة مخلوقات، وهو ـ سبحانه ـ لم يزل قبل الخلق والأماكن، لا في مكان ولا يجرى عليه وقت ولا زمان.
فإن قال : فعلى ما هو اليوم ؟ قيل له : مستوٍ على العرش كما قال ـ سبحانه :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [ طه : ٥ ].
وقال : فإن قال قائل : لم يزل الباري قادرًا عالمًا حيًا سميعًا بصيرًا ؟ قيل : نعم، فإن قال : فلم أنكرتم أن يكون لم يزل خالقًا ؟ قيل له : إن أردت بقولك : لم يزل خالقا. أي : لم يزل الخلق معه في قدمه، فهذا خطأ، لأن معني الخلق أنه لم يكن ثم كان. فكيف يكون ما لم يكن ثم كان لم يزل موجودًا، وإن أردت بقولك أن الخالق لم يزل وكان قادرًا على أن يخلق الخلق، فكذلك نقول : لأن الخالق لم يزل والخلق لم يكن ثم كان، وقد كان لم يزل قادرًا على أن يخلق الخلق، فهذا الجواب.
قال : فإن قيل : إذا قلتم إنه الآن خالق فما أنكرتم أن يكون لم يزل خالقًا ؟ قيل له : لا يلزم ذلك، وذلك أنه الآن مستوٍ على / عرشه، فلا يجب أن يكون لم يزل مستويًا على عرشه، فكذلك ما قلناه يناسبه.
فإن قيل : الاستواء منه فعل، ويستحيل أن يكون الفعل لم يزل، قال : قيل : والخلق منه فعل، ويستحيل أن يكون الخلق لم يزل.
فهذا الكلام ليس إلا ببيان الذين يقولون : إنه استوي على العرش بعد أن لم يكن، ويقولون بقدم صفة التكوين والخلق، وأنه لم يزل خالقًا، فألزمهم : أنا نقول في الخلق ما نقوله نحن وأنتم في الاستواء. وهذا جواب ضعيف من وجوه :
أحدها : أنه في الحقيقة ليس عنده أنه استوي بعد أن لم يكن، كما قد بحثه مع السلطان، بل هو الآن كما كان، فلا يصح القياس عليه.


الصفحة التالية
Icon