الثاني : أنه قد سلم أنه لم يزل قادرًا على أن يخلق الخلق، وهذا يقتضي إمكان وجود المقدور في الأزل، فإنه إذا كان المقدور ممتنعًا لم تكن هناك قدرة، فكيف يجعله لم يزل قادرًا مع امتناع أن يكون المقدور لم يزل ممكنًا ؟ بل المقدور عنده كان ممتنعًا ثم صار ممكنًا بلا سبب حادث اقتضي ذلك.
الثالث : أن قوله : لأن معني الخلق أنه لم يكن ثم كان، فكيف يكون ما لم يكن ثم كان لم يزل موجودًا ؟ فيقال : بل كل مخلوق فهو محدث مسبوق بعدم نفسه، وما ثم قديم أزلي إلا اللّه وحده. وإذا قيل : لم يزل خالقًا، فإنما يقتضي قدم نوع الخلق، و [ دوام خالقيته ] لا يقتضي قدم شيء من المخلوقات، فيجب الفرق بين أعيان المخلوقات الحادثة بعد أن لم تكن، فإن هذه لا يقول عاقل إن منها شيئًا أزليًا، ومن قال بقدم شيء من العالم ـ كالفلك أو مادته ـ فإنه يجعله مخلوقا بمعني أنه كان بعد أن لم يكن، ولكن إذ أوجده القديم.
ولكن لم يزل فعالًا خالقًا، ودوام خالقيته من لوازم وجوده. فهذا ليس قولا بقدم شيء من المخلوقات، بل هذا متضمن لحدوث كل ما سواه. وهذا مقتضي سؤال السائل له.
الوجه الرابع : أن يقال : العرش حادث، كائن بعد أن لم يكن، لم يزل مستويًا عليه بعد وجوده، وأما الخلق : فالكلام في نوعه، ودليله على امتناع حوادث لا أول لها، قد عرف ضعفه. واللّه أعلم.
وكان ابن فُورَك ـ في مخاطبة السلطان ـ قصد إظهار مخالفة الكَرَّامية، كما قصد بنيسابور القيام على المعتزلة في استتابتهم، وكما كَفَّرَهم عند / السلطان، ومن لم يعدل في خصومه ومنازعيه ويعذرهم بالخطأ في الاجتهاد، بل ابتدع بدعة وعادي من خالفه فيها أو كَفَّره، فإنه هو ظلم نفسه.