وأهل السنة والعلم والإيمان يعلمون الحق، ويرحمون الخلق؛ يتبعون الرسول فلا يبتدعون. ومن اجتهد فأخطأ خطأ يعذره فيه الرسول عذروه، وأهل البدع ـ مثل الخوارج ـ يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم ويستحلون دمه، وهؤلاء كل منهم يرد بدعة الآخرين، ولكن هو أيضًا مبتدع، فيرد بدعة ببدعة، وباطلاً بباطل.
وكذلك ما حكاه من مناظراتهم له عند الوزير، مجلسًا بعد مجلس هو من هذا الباب. فإن المعتزلة والكَرَّامِية يقولون حقًا وباطلا، وسنة وبدعة، كما أنه هو ـ أيضًا كذلك ـ يقول حقًا وباطلا موافقة لأبي الحسن، وأبو الحسن سلك في مسألة الأسماء، والأحكام، والقدر، مسلك الجهم بن صفوان، مسلك المجبرة ومسلك غلاة المرجئة، فهؤلاء قدرية مجبرة، والمعتزلة قدرية نافية، فوقع بينهم غاية التضاد في مسائل التعديل والتجويز ونحوها.
واللّه يحب الكلام بعلم وعدل، ويكره الكلام بجهل وظلم، كما قال النبي ﷺ :( القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض / في الجنة؛ رجل قضي للناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضي بخلافه فهو في النار. ورجل علم الحق وقضي به فهو في الجنة ).
وقد حرم ـ سبحانه ـ الكلام بلا علم مطلقًا، وخص القول عليه بلا علم بالنهي، فقال تعالى :﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [ الإسراء : ٣٦ ]، وقال تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٣ ].


الصفحة التالية
Icon