وقد ذكرنا في غير موضع أن ما وصف اللّه تعالى به نفسه من الصفات السلبية، فلا بد أن يتضمن معني ثبوتيا، فالكمال هو في الوجود والثبوت، والنفي مقصوده نفي ما يناقض ذلك، فإذا نفي النقيض الذي هو العدم والسلب لزم ثبوت النقيض الآخر الذي هو الوجود والثبوت.
وبينا هذا في آية الكرسي وغيرها مما في القرآن، كقوله :﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾، فإنه يتضمن كمال الحياة والقيومية. وقوله :﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، يتضمن كمال الملك. وقوله :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، يقتضي اختصاصه بالتعليم دون ما سواه.
والوحدانية : تقتضي الكمال، والشركة : تقتضي النقص. وكذلك قوله :﴿ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، ﴿ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ [ ق : ٣٨ ]، ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ]، ﴿ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾ [ سبأ : ٣ ]. وأمثال ذلك مما هو مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن علوه من صفات المدح اللازمة له. فلا يجوز اتصافه بضد العلو البتة؛ ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح :( أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء )، ولم يقل :[ تحتك ]، وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير هذا الموضع.
وإذا كان كذلك، فالمخالفون للكتاب والسنة وما كان عليه السلف لا يجعلونه متصفا بالعلو دون السفول، بل إما أن يصفوه بالعلو والسفول أو بما يستلزم ذلك، وإما أن ينفوا عنه العلو والسفول. وهم نوعان.


الصفحة التالية
Icon