فالجهمية القائلون بأنه بذاته في كل مكان، أو بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، لا يصفونه بالعلو دون السفول. فإنه إذا كان في مكان فالأمكنة منها عال وسافل، فهو في العالي عال، وفي السافل سافل. بل إذا قالوا : إنه في كل مكان. فجعلوا الأمكنة كلها محال له، ظروفا وأوعية، جعلوها في الحقيقة أعلى منه. فإن المحل يحوي الحال، والظرف والوعاء يحوي المظروف الذي فيه، والحاوي فوق المحوي.
والسلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا : إنه فوق العرش، / وإنه في السماء فوق كل شيء، لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره، أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاءً ـ سبحانه وتعالى عن ذلك ـ بل هو فوق كل شيء، وهو مستغن عن كل شيء، وكل شيء مفتقر إليه. وهو عال على كل شيء، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته. وكل مخلوق مفتقر إليه، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق.
وما في الكتاب والسنة من قوله :﴿ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ﴾ [ الملك : ١٦ ]، ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن [ السماء ] هي نفس المخلوق العالي؛ العرش فما دونه، فيقولون : قوله ﴿ فٌي بسَّمّاء ﴾، بمعنى :[ على السماء ]، كما قال :﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [ طه : ٧١ ]، أي :[ على جذوع النخل ]، وكما قال :﴿ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ [ النحل : ٣٦ ]، أي :[ على الأرض ]. ولا حاجة إلى هذا، بل، [ السماء ] اسم جنس للعالي لا يخص شيئا. فقوله :﴿ فٌي بسَّمّاء ﴾، أي :( في العلو دون السفل ). وهو العلى الأعلى، فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش وليس هناك غيره العلى الأعلى سبحانه وتعالى.