والقائلون بأنه في كل مكان هو عندهم في المخلوقات السفلية القذرة الخبيثة، كما هو في المخلوقات العالية. وغلاة هؤلاء الاتحادية الذين يقولون :[ الوجود واحد ]، كابن عربي الطائي صاحب [ فصوص / الحكم ]، و [ الفتوحات المكية ]، يقولون : الموجود الواجب القديم هو الموجود المحدث الممكن.
ولهذا قال ابن عربي في [ فصوص الحكم ] :
[ ومن أسمائه الحسني [ العلي ]. على من، وما ثم إلا هو ؟ وعن ماذا، وما هو إلا هو ؟ فعلوه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمُسَمَّي [ محدثات ] : هي العلية لذاتها وليست إلا هو ].
إلي أن قال :
[ فالعلي لنفسه هو الذي يكون له جميع الأوصاف الوجودية والنسب العدمية، سواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا، أو مذمومة عرفا وعقلًا وشرعا. وليس ذلك إلا المسمي اللّه ].
فهو عنده الموصوف بكل ذم، كما هو الموصوف بكل مدح.
وهؤلاء يفضلون عليه بعض المخلوقات، فإن في المخلوقات ما يوصف بالعلو دون السفول كالسماوات. وما كان موصوفا بالعلو دون السفول كان أفضل مما لا يوصف بالعلو، أو يوصف بالعلو والسفول.
وقد قال فرعون :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ]. قال ابن عربي :
ولما كان فرعون في منصب التحكم والخليفة بالسيف، جاز في العرف الناموسي أن قال :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ]، أي : وإن كان أن الكل أربابا بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم بما أعطيته من الحكم فيكم. ولما علمت السحرة صدقه فيما قال لم ينكروه، بل أقروا له بذلك وقالوا له :﴿ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [ طه : ٧٢ ] فالدولة لك. فصح قول فرعون :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ].