فبهذا وأمثاله يصححون قول فرعون :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾، وينكرون أن يكون اللّه عاليا، فضلا عن أن يكون هو الأعلى، ويقولون : على من يكون أعلي، أو : عما ذا يكون أعلي ؟
وهكذا سائر الجهمية يصفون بالعلو ـ على وجه المدح ـ ما هو عال من المخلوقات، كالسماء، والجنة، والكواكب، ونحو ذلك. ويعلمون أن العالي أفضل من السافل، وهم لا يصفون ربهم بأنه الأعلى، ولا العلي، بل يجعلونه في السافلات كما هو في العاليات.
والجهمية الذين يقولون : ليس هو داخل العالم ولا خارجه، ولا يشار إليه البتة، هم أقرب إلى التعطيل والعدم، كما أن أولئك أقرب إلى الحلول والاتحاد بالمخلوقات. فهؤلاء يثبتون موجودًا لكنه في الحقيقة المخلوق لا الخالق، وأولئك ينفون فلا يثبتون وجودًا البتة، لكنهم / يثبتون وجود المخلوقات، ويقولون : إنهم يثبتون وجود الخالق.
وإذا قالوا : نحن نقول : هو عال بالقدرة أو بالقدر، قيل : هذا فرع ثبوت ذاته وأنتم لم تثبتوا موجودًا يعرف وجوده فضلا عن أن يكون قادرًا أو عظيم القدر.
وإذا قالوا : كان اللّه قبل خلق الأمكنة والمخلوقات موجودًا، وهو الآن على ما عليه كان لم يتغير، ولم يكن هناك فوق شيء ولا عاليًا على شيء فذلك هو الآن، قيل : هذا غلط، ويظهر فساده بالمعارضة ثم بالحل وبيان فساده.
أما الأول : فيلزمهم ألا يكون الآن عاليًا بالقدرة ولا بالقدر كما كان في الأزل. فإنه إذا قدر وجوده وحده فليس هناك موجود يكون قادرًا عليه ولا قاهرًا له ولا مستوليًا عليه، ولا موجودا يكون هو أعظم قدرًا منه.
فإن كان مع وجود المخلوقات لم يتجدد له علو عليها كما زعموا، فيجب أن يكون بعدها ليس قاهرًا لشيء ولا مستوليًا عليه، ولا قاهرًا لعباده، ولا قدره أعظم من قدرها. وإذا كانوا يقولون ـ هم وجميع العقلاء ـ إنه مع وجود المخلوق يوصف بأمور إضافية لا يوصف / بها إذا قدر موجودًا وحده علم أن التسوية بين الحالين خطأ منهم.