وقد تجيء خبرًا بعد خبر، كقوله :﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [ البروج : ١٤ـ ١٦ ]. ولو كان [ فعال ] صفة، لكان معرفًا، بل هو خبر بعد خبر. وقوله :﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ﴾ [ الحديد : ٣ ]، خبر بعد خبر، لكن بالعطف بكل من الصفات.
وأخبار المبتدأ قد تجيء بعطف وبغير عطف. وإذا ذكر بالعطف كان كل اسم مستقلا بالذكر، وبلا عطف يكون الثاني من تمام الأول بمعنى. ومع العطف لا تكون الصفات إلا للمدح والثناء، أو للمدح، وأما بلا عطف فهو في النكرات للتمييز، وفي المعارف قد يكون للتوضيح.
و ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴾ [ الأعلى : ٢ - ٤ ]، وُصِفَ بكل صفة من هذه الصفات، ومُدِح بها، وأُثْنِىَ عليه بها. وكانت كل صفة من هذه الصفات مستوجبة لذلك.
فصل
قال تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [ الأعلى : ٢ ]، فأطلق الخلق والتسوية ولم يخص بذلك الإنسان، كما أطلق قوله بعد ﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [ الأعلى : ٣ ] لم يقيده. فكان هذا المطلق لا يمنع شموله لشيء من المخلوقات. وقد بين موسى ـ عليه السلام ـ شموله في قوله :﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [ طه : ٥٠ ].
وقد ذكر المقيد بالإنسان في قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [ الانفطار : ٦، ٧ ].
وقد ذكر المطلق والمقيد في أول ما نزل من القرآن، وهو قوله :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [ العلق : ١ - ٥ ].