فإن الحركات إما طبعية، وإما قَسْريَّة، وإما إرادية؛ لأن مبدأ الحركة إما أن يكون من المتحرك، أو من سبب خارج. وما كان منها فإما أن يكون مع الشعور، أو بدون الشعور. فما كان سببه من خارج فهو القسرى، وما كان سببه منها بلا شعور فهو الطبعي، وما كان مع الشعور فهو الإرادى. فالقسري تابع للقاسر، والذي يتحرك بطبعه، كالماء والهواء والأرض، هو ساكن في مركزه، لكن إذا خرج عن مركزه قسرًا طلب العودة إلى مركزه، فأصل حركته القسر. ولم تبق حركة أصلية إلا الإرادية. فكل حركة في العالم فهي عن إرادة.
فكيف تكون جميع الحوادث والحركات بلا إرادة ؟
وأيضًا، فإذا جوزوا أن تحدث الحوادث العظيمة عن فاعل غير مريد فجواز ذلك عن فاعل مريد أولى.
وإذا ثبت أنه مريد قيل : إما أن يكون أرادها لحكمة، وإما أن يكون أرادها لغير حكمة. فإن قالوا لغير حكمة، كان مكابرة. فإن الإرادة لا تعقل إلا إذا كان المريد قد فعل لحكمة يقصدها بالفعل.
وأيضًا، فإذا جوزوا أن يكون فاعلًا مريدًا بلا حكمة فَكَوْنُه فاعلًا مريدًا لحكمة أولى بالجواز.
وأما قولهم : هذا لا يعقل إلا في حق من ينتفع، وذلك يوجب الحاجة، والله منزه عن ذلك. فإن أرادوا أنه يوجب احتياجه إلى غيره أو شيء من مخلوقاته فهو ممنوع وباطل، فإن كل ما سواه محتاج إليه من كل وجه. وهو الصمد الغنى عن كل ما سواه وكل ما سواه محتاج إليه، وهو القيوم القائم بنفسه المقيم لكل ما سواه. فكيف يكون محتاجًا إلى غيره ؟
وإن أرادوا أنه تحصل له بالخلق حكمة هي أيضًا حاصلة بمشيئته فهذا لا محذور فيه، بل هو الحق.
وإذا قالوا : الحكمة هي اللذة، قيل : لفظ [ اللذة ] لم يرد به الشرع، وهو موهم ومجمل. لكن جاء الشرع بأنه [ يحب ]، و [ يرضى ] /، و [ يفرح بتوبة التائبين ]، ونحو ذلك. فإذا أريد ما دل عليه الشرع والعقل فهو حق.