فإذا كان هذا في مصنوعات العباد ـ وهي جزء من مصنوعات الرب ـ فكيف بمخلوقاته العظيمة التي لا صنع فيها للعباد، كخلق الإنسان وسائر البهائم، وخلق النبات، وخلق السموات والأرض والملائكة.
فالفلك الذي خَلَقه وجعله مستديرًا ما له من فروج، كما قال تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسًِا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [ الملك : ٣، ٤ ]، وقال تعالى :﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾ [ الذاريات : ٧ ]، وقال :/ ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ [ ق : ٦ ].
فهو ـ سبحانه ـ سواها كما سوى الشمس والقمر وغير ذلك من المخلوقات، فعدل بين أجزائها. ولو كان أحد جانبى السماء داخلًا أو خارجًا لكان فيها فروج، وهي الفتوق والشقوق، ولم يكن سواها، كمن بنى قبة ولم يسوها. وكذلك لو جعل أحد جانبيها أطول أو أنقص، ونحو ذلك.
فالعدل والتسوية لازم لجميع المخلوقات والمصنوعات. فمتى لم تصنع بالعدل والتسوية بين المتماثلين وقع فيها الفساد.
وهو ـ سبحانه ـ ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [ الأعلى : ٢ ]. قال أبو العالية ـ في قوله :﴿ خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ ـ قال : سوى خلقهن وهذا كما قال تعالى :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [ فصلت : ١٢ ].

فصل


ثم إذا خلق المخلوق فسوى، فإن لم يهده إلى تمام الحكمة التي خلق لها فسد. فلابد أن يهدى بعد ذلك إلى ما خلق له.
وتلك الغاية لابد أن تكون معلومة للخالق. فإن العلة الغائية هي أول في العلم والإرادة، وهي آخر في الوجود والحصول.


الصفحة التالية
Icon