فقوله ـ سبحانه ـ :﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [ الأعلى : ٣ ]، يتضمن أنه قَدَّر ما سيكون للمخلوقات، وهداها إليه. علم ما يحتاج إليه الناس والدواب من الرزق، فخلق ذلك الرزق وسواه، وخلق الحيوان وسواه وهداه إلى ذلك الرزق. وهدى غيره من الأحياء أن يسوق إليه ذلك الرزق.
وخلق الأرض، وقَدَّر حاجتها إلى المطر، وقَدَّر السحاب وما يحمله من المطر. وخلق ملائكة هداهم ليسوقوا ذلك السحاب إلى تلك الأرض / فيمطر المطر الذي قدره. وقَدَّر ما نبت بها من الرزق، وقَدَّر حاجة العباد إلى ذلك الرزق. وهداهم إلى ذلك الرزق، وهدى من يسوق ذلك الرزق إليهم.
وقد ذكر المفسرون أنواعًا من تقديره وهدايته : فروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما، بالإسناد الثابت عن مجاهد في قوله :﴿ قَدَّرَ فَهَدَى ﴾، قال : الإنسان للشقاوة والسعادة، وهدى الأنعام لمراتعها.
وكذلك رواه عبد بن حميد في تفسيره، قال : هدى الإنسان للسعادة والشقاوة، وهدى الأنعام لمراتعها.
وقال : حدثنا يونس، عن شيبان عن قتادة :﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾، قال : لا والله ! ما أكره الله عبدًا على معصية قط ولا على ضلالة، ولا رضيها له ولا أمره، ولكن رضى لكم الطاعة فأمركم بها، ونهاكم عن معصيته.
قلت : قتادة ذكر هذا عند هذه الآية ليبين أن الله قدر ما قدره من السعادة والشقاوة، كما قال الحسن وقتادة، وغيرهما من أئمة المسلمين، فإنهم لم يكونوا متنازعين. فما سبق من سبق تقدير الله، وإنما كان نزاع بعضهم في الإرادة وخلق الأفعال.
وإنما نازع في التقدير السابق والكتاب أولئك الذين تبرأ منهم الصحابة كابن عمر، وابن عباس، وغيرهما.