وذكر قتادة أن الله لم يكره أحدًا على معصية. وهذا صحيح، فإن أهل السنة المثبتين للقدر متفقون على أن الله لا يكره أحدًا على معصية كما يكره الوالى والقاضى وغيرهما للمخلوق على خلاف مراده ـ يكرهونه بالعقوبة والوعيد. بل هو سبحانه يخلق إرادة العبد للعمل وقدرته وعمله، وهو خالق كل شيء.
وهذا الذي قاله قتادة قد يظن فيه أنه من قول القَدَريَّة، وأنه لسبب مثل هذا اتهم قتادة بالقدر، حتى قيل : إن مالكا كره لمعمر أن يروى عنه التفسير لكونه اتهم بالقدر.
وهذا القول حق، ولم يعرف أحد من السلف قال : إن الله أكره أحدًا على معصية.
بل أبلغ من ذلك أن لفظ [ الجبر ] منعوا من إطلاقه، كالأوزاعى. والثورى، والزبيدى، وعبد الرحمن بن مهدى، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. نهوا عن أن يقال : إن الله جبر العباد، وقالوا : إن هذا بدعة في الشرع، وهو مفهم للمعنى الفاسد.
قال الأوزاعى وغيره : إن السُّنَّة جاءت بـ [ جبل ]، ولم تأت بـ [ جبر ]، فإن النبي ﷺ قال لأشج عبد القيس :( إن فيك لخُلقُين يحبهما الله، الحلم والأناة ). فقال : أخلقين تَخَلَّقتُ بهما أم خلقين جُبِلْتُ عليهما ؟ قال :( بل خلقين جبلت عليهما ). قال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله.
وقال الزُبَيْدي وغيره : إنما يجبر العاجز ـ يعنى الجبر الذي هو بمعنى الإكراه ـ كما تجبر المرأة على النكاح، والله أجل وأعظم من أن يجبر أحدًا يعنى أنه يخلق إرادة العبد فلا يحتاج إلى إجباره.
فالزُبَيدي وطائفة نفوا [ الجبر ] وكان مفهومه عندهم هذا.
وأما الأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، فكرهوا أن يقال :[ جبر ]، وأن يقال :[ لم يجبر ] ؛ لأن [ الجبر ] قد يراد به الإكراه، والله لا يكره أحدًا.
وقد يراد به أنه خالق الإرادة، كما قال محمد بن كعب : الجبار هو الذي جبر العباد على ما أراد. و [ الجبر ] بهذا المعنى صحيح.


الصفحة التالية
Icon