وذكر مثل ذلك في مواضع كثيرة. فتارة يخص اسم المنكر بالنهي، وتارة يقرنه بالفحشاء، وتارة يقرن معهما البغي، وكذلك المعروف : تارة يخصه بالأمر، وتارة يقرن به غيره كما في قوله تعالى :﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [ النساء : ١١٤ ]، وذلك لأن الأسماء قد يكون عمومها وخصوصها بحسب الإفراد والتركيب؛ كلفظ الفقير والمسكين، فإن أحدهما إذا أفرد كان عامًا لما يدلان عليه عند الاقتران؛ بخلاف اقترانهما فإنه يكون معني كل / منهما ليس هو معني الآخر، بل أخص من معناه عند الإفراد، وأيضًا، فقد يعطف على الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التخصيص، ثم قد قيل : إن ذلك المخصص يكون مذكورًا بالمعني العام والخاص.
فإذا عرف هذا، فاسم ( المنكر ) يعم كل ما كرهه الله ونهي عنه وهو المبغض، واسم ( المعروف ) يعم كل ما يحبه اللّه ويرضاه ويأمر به، فحيث أفردا بالذكر فإنهما يعمان كل محبوب في الدين ومكروه، وإذا قرن المنكر بالفحشاء فإن الفحشاء مبناها على المحبة والشهوة، و ( المنكر ) هو الذي تنكره القلوب، فقد يظن أن ما في الفاحشة من المحبة يخرجها عن الدخول في المنكر، وإن كانت مما تنكرها القلوب فإنها تشتهيها النفوس، و ( المنكر ) قد يقال : إنه يعم معني الفحشاء، وقد يقال : خصت لقوة المقتضي لما فيها من الشهوة، وقد يقال : قصد بالمنكر ما ينكر مطلقا والفحشاء لكونها تشتهي وتحب، وكذلك ( البغي ) قرن بها؛ لأنه أبعد عن محبة النفوس.
ولهذا كان جنس عذاب صاحبه أعظم من جنس عذاب صاحب الفحشاء، ومنشؤه من قوة الغضب، كما أن الفحشاء منشؤها عن قوة الشهوة، ولكل من النفوس لذة بحصول مطلوبها، فالفواحش والبغي مقرونان بالمنكر، وأما الإشراك والقول على اللّه بلا علم فإنه منكر / محض ليس في النفوس ميل إليهما؛ بل إنما يكونان عن عناد وظلم، فهما منكر وظلم محض بالفطرة.