فإن محمدًا ﷺ قد عرف ـ بالاضطرار ـ من دينه أنه مبعوث إلى جميع الإنس والجن، والله تعالى خاطب بالقرآن جميع / الثقلين، كما قال :﴿ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ]. فكل من بلغه القرآن من إنسى وجنى فقد أنذره الرسول به. والإنذار هو : الإعلام بالمخَوف، والمخوف : هو العذاب ينزل بمن عصى أمره ونهيه.
فقد أعلم كل من وصل إليه القرآن أنه إن لم يطعه وإلا عذبه الله تعالى، وأنه إن أطاعه أكرمه الله تعالى.
وهو قد مات، فإنما طاعته باتباع ما في القرآن مما أوجبه الله وحرمه، وكذلك ما أوجبه الرسول وحرمه بسنته. فإن القرآن قد بين وجوب طاعته، وبيَّن أن الله أنزل عليه الكتاب والحكمة، وقال لأزواج نبيه :﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٤ ].
فصل
ثم قال :﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى ﴾ [ الأعلى : ٤، ٥ ].
هو ـ سبحانه ـ لما ذكر قوله :﴿ قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [ الأعلى : ٣ ]، دخل في ذلك ما قدره من أرزاق العباد والبهائم وهداهم إليها، فهدى من يأتى بها إليهم. وذلك من تمام إنعامه على عباده، كما جاء في الأثر؛ إن الله يقول :/ ( إني والجن والإنس لفي نبأ عظيم؛ أخلق ويعبدون غيري، وأرزق ويشكرون سواي ).