وهذا المعنى قد روى في قوله :﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [ الواقعة : ٨٢ ]، أي : تجعلون شكركم وشكر ربكم التكذيب بإنعام الله، وإضافة الرزق إلى غيره كالأنواء، كما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال : مُطِرَ الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي ﷺ :( أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر قالوا : هذه رحمة الله، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا )، قال : فنزلت هذه الآية ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ حتى بلغ ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [ الواقعة : ٧٥ - ٨٢ ].
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال :( ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين؛ ينزل الله الغيث فيقولون : الكوكب كذا وكذا ). وفي رواية :( بكوكب كذا وكذا ).
وروى ابن المنذر في تفسيره : ثنا محمد بن على ـ يعني الصائغ ـ ثنا سعيد ـ هو ابن منصور ـ ثنا هُشَيْم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس أنه كان يقرأ :( وتجعلون شكركم أنكم تكذبون )، / يعني : الأنواء. وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافرًا، وكانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله :﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [ الواقعة : ٢٨ ].
وروى ابن أبي حاتم، عن عطاء الخُرَاسَانى، عن عِكْرمة، في قول الله :﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾، قال : تجعلون رزقكم من عند غير الله تكذيبًا، وشكرًا لغيره.
لكن قوله :﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴾ [ الأعلى : ٤ ]، خص به إخراج المرعى، وهو ما ترعاه الدواب، وذكر أنه جعله غثاء أحوى، وهذا فيه ذكر أقوات البهائم، لكن أقوات الآدميين أجل من ذلك، وقد دخلت هي وأقوات البهائم في قوله :﴿ قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [ الأعلى : ٣ ].


الصفحة التالية
Icon