وأما المشترك الذي تقوم به الحجة فقد ذكر هو وغيره بذلك وقامت الحجة عليهم. وقد قال تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [ الإسراء : ١٥ ]، وقال :﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [ النساء : ١٦٥ ]، وقال عن أهل النار :﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ﴾ [ الملك : ٨، ٩ ]، وقال تعالى :﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا ﴾ [ الأنعام : ١٣٠ ].
وأما تمثيلهم ذلك بقوله :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾ [ النحل : ٨١ ]، أي : وتقيكم البرد فعنه جوابان :
أحدهما : أنه ليس هناك حرف شرط عُلِّقَ به الحكم بخلاف هذا الموضع. فإنه إذا علق الأمر بشرط وكان مأمورًا به في حال وجود الشرط كما هو مأمور به في حال عدمه، كان ذكر الشرط تطويلًا للكلام تقليلًا للفائدة وإضلالًا للسامع.
وجمهور الناس على أن مفهوم الشرط حجة، ومن نازع فيه يقول : سكت عن غير المعلق، لا يقول : إن اللفظ دل على المسكوت كما دل على المنطوق. فهذا لا يقوله أحد.
الثاني : أن قوله :﴿ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾ على بابه، وليس في الآية ذكر البرد. وإنما يقول :[ إن المعطوف محذوف ] هو الفرَّاء وأمثاله ممن أنكر عليهم الأئمة حيث يفسرون القرآن بمجرد ظنهم وفهمهم لنوع من علم العربية عندهم، وكثيرًا لا يكون ما فسروا به مطابقًا.