وليس في الكلام ما يدل على ذكر البرد، ولكن الله ذكر في / هذه السورة إنعامه على عباده، وتسمى [ سورة النعم ]، فذكر في أولها أصول النعم التي لابد منها ولا تقوم الحياة إلا بها، وذكر في أثنائها تمام النعم.
وكان ما يقي البرد من أصول النعم، فذكر في أول السورة في قوله :﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ﴾ [ النحل : ٥ ]. فالدفء ما يدفئ ويدفع البرد.
والبرد الشديد يوجب الموت بخلاف الحر. فقد مات خلق من البرد بخلاف الحر، فإن الموت منه غير معتاد؛ ولهذا قال بعض العرب : البرد بؤس، والحر أذى.
فلما ذكر في أثنائها تمام النعم ذكر الظلال وما يقى الحر، وذكر الأسلحة وما يقى القتل، فقال :﴿ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [ النحل : ٨١ ]، فذكر أنه يتم نعمته كما بَىَّن ذلك في هذه الآيات، فقال :﴿ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾.
وفرق بين الظلال والأكنان؛ فإن الظلال يكون بالشجر / ونحوه مما يظل ولا يكن، بخلاف ما في الجبال من الغيران، فإنه يظل ويكن.
فهذا في الأمكنة، ثم قال في اللباس :﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ﴾ [ النحل : ٨١ ]، فهذا في اللباس. واللباس والمساكن كلاهما تقى الناس ما يؤذيهم من حر وبرد وعدو، وكلاهما تسترهم عن أعين الناظرين.


الصفحة التالية
Icon