قلت : هذا القائل هو الزمخشري، وهذا القول فيه بعض الحق. لكنه أضعف من ذاك القول من وجه آخر. فإن مضمون هذا القول أنه مأمور بتذكير من لا يقبل ولا ينتفع بالذكرى دون من يقبل، كما قال :[ إن نفعت الذكرى في هؤلاء الطغاة العتاة ]، وكما أنشده في البيت.
ثم البيت الذي أنشده خبر عن شخص خاطب آخر. فيقول : لقد أسمعت ـ لو كان من تناديه حيا ـ وهذا كقوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ البقرة : ٦ ]، وقوله :﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [ النمل : ٨٠ ]، وقوله :﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٤٥ ]. فهذا يناسب معنى البيت، وهو خبر خاص.
وأما الأمر بالإنذار فهو مطلق عام، وإن كان مخصوصًا، فالمؤمنون أحق بالتخصيص، كما قال :﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ٤٥ ]، وقال :﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الذاريات : ٥٥ ]. ليس الأمر مختصًا بمن لا يسمع.
كيف وقد قال بعد ذلك :﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾، فهذا الذي يخشى هو ممن أمره بتذكيره، وهو ينتفع بالذكرى. فكيف لا يكون لهذا الشرط فائدة إلا ذم من لم يسمع ؟
وأما قول القائل :[ قل لفلان واعذله إن سمعك ]، فهذا وأمثاله يقوله الناس لمن يظنون أنه لا يقبل ولكن يرجون قبوله. فهم يقصدون توبيخه على تقدير الرد، لا على تقدير القبول. فيقولون :[ قل له إن كان يسمع منك ]، و [ قل له إن كان يقبل ]، و [ انصحه إن / كان يقبل النصيحة ]، وهو كله من هذا الباب. فهو أمر بالنصيحة التامة المقبولة ـ إن كان يقبلها، وأمر بأصل النصح ـ وإن رده، وذم له على هذا التقدير.


الصفحة التالية
Icon