وكذلك قوله :﴿ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾، أمر بتذكير كل أحد، فإن انتفع كان تذكره تامًا نافعًا، وإلا حصل أصل التذكير الذي قامت به الحجة، ودل ذلك على ذمه واستحقاقه التوبيخ.
مع أنه ـ سبحانه ـ إنما قال :﴿ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾، ولم يقل :[ ذكر من تنفعه الذكرى فقط ]، كما في قوله :﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ٤٥ ]، فهناك الأمر بالتذكير خاص.
وقد جاء عامًا وخاصًا كخطاب القرآن بـ [ يا أيها الناس ]، وهو عام، وبـ [ يا أيها الذين آمنوا ]، خاص لمن آمن بالقرآن.
فهناك قال :﴿ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الذاريات : ٥٥ ]، وهنا قال :﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾. ولم يقل [ سينتفع من يخشى ]. فإن النفع الحاصل بالتذكير أعم من تذكر من يخشى.
فإنه إذا ذكر قامت الحجة على الجميع. والأشقى الذي تجنبها حصل بتذكيره قيام الحجة عليه واستحقاقه لعذاب الدنيا والآخرة.
وفي ذلك لله حِكَم ومنافع هي نعم على عباده. فكل ما يقضيه الله تعالى هو من نعمته على عباده؛ ولهذا يقول ـ عقب تعديد ما يذكره ـ :﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [ الرحمن : ١٣ ].
ولما ذكر ما ذكره في سورة [ النجم ] وذكر إهلاك مكذبى الرسل قال :﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ [ النجم : ٥٥ ]، فإهلاكهم من آلاء ربنا. وآلاؤه نعمه التي تدل على رحمته، وعلى حكمته، وعلى مشيئته، وقدرته، وربوبيته ـ سبحانه وتعالى.
ومن نفع تذكير الذي يتجنبها أنه لما قامت عليه الحجة واستحق العذاب خف بذلك شر عن المؤمنين، فإن الله يهلكهم بعذاب من عنده أو بأيديهم. وبهلاكه ينتصر الإيمان وينتشر، ويعتبر به غيره، وذلك نفع عظيم.
وهو ـ أيضًا ـ يتعجل موته فيكون أقل لكفره. فإن الله أرسل محمدًا رحمة للعالمين، فبه تصل الرحمة إلى كل أحد بحسب الإمكان.