وأيضًا، فإن الذي يتجنبها بتجنبه استحق هذا الوعيد المذكور، فصار ذلك تحذيرًا لغيره من أن يفعل مثل فعله. قال تعالى :﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ [ البقرة : ٦٦ ]، وقال تعالى عن فرعون :﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [ الزخرف : ٥٦ ] وقال تعالى :﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [ يوسف : ١١١ ].
فصل
وقوله :﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ﴾ [ الأعلى : ١٠ ]، يقتضى أن كل من يخشى يتذكر. والخشية قد تحصل عقب الذكر، وقد تحصل قبل الذكر، وقوله :﴿ مَن يَخْشَى ﴾ مطلق.
ومن الناس من يظن أن ذلك يقتضى أنه لابد أن يكون قد خشى أولًا حتى يذكر، وليس كذلك. بل هذا كقوله :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ]، وقوله :﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾ [ النازعات : ٤٥ ]، وقوله :﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ٤٥ ]، وقوله :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ ﴾ [ يس : ١١ ].
وهو إنما خاف الوعيد بعد أن سمعه، لم يكن وعيد قبل سماع القرآن، وكذلك قوله :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ ﴾، وهو إنما اتبع الذكر وخشى الرحمن بعد أن أنذره الرسول.
وقد لا يكونون خافوها قبل الإنذار، ولا كانوا متقين قبل سماع / القرآن، بل به صاروا متقين.
وهذا كما يقول القائل : ما يسمع هذا إلا سعيد، وإلا مفلح، وإلا من رضى الله عنه. وما يدخل في الإسلام إلا من هداه الله، ونحو ذلك. وإن كانت هذه الحسنات والنعم تحصل بعد الإسلام وسماع القرآن.
ومثل هذا قوله :﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢٠ ].