وقد قال في نظيره :﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾ [ الأعلى : ١١ ]، وإنما يشقى بتجنبها.
وهذا كما يقال : إنما يحذر من يقبل، وإنما ينتفع بالعلم من عمل به.
فمن استمع القرآن فآمن به وعمل به صار من المتقين الذين هو هدى لهم. ومن لم يؤمن به ولم يعمل به لم يكن من المتقين، ولم يكن ممن اهتدى به.
بل هو كما قال الله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [ فصلت : ٤٤ ]، ولم يرد أنهم كانوا مؤمنين، فلما سمعوه صار هدى وشفاء، بل إذا سمعه الكافر فآمن به صار في حقه هدى وشفاء، وكان من المؤمنين به بعد سماعه.
وهذا كقوله في النوع المذموم :﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ [ البقرة : ٢٦، ٢٧ ]، ولا يجب أن يكونوا فاسقين قبل ضلالهم، بل من سمعه فكذب به صار فاسقًا وضل.
وسعد بن أبى وقاص ـ وغيره ـ أدْخلوا في هذه الآية أهل الأهواء كالخوارج. وكان سعد يقول : هم من ﴿ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ ولم يكن على، وسعد، وغيرهما من الصحابة يكفرونهم.
وسعد أدخلهم في هذه الآية لقوله :﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ﴾.
وهم ضلوا به بسبب تحريفهم الكلم عن مواضعه وتأويله على غير ما أراد الله. فتمسكوا بمتشابهه، وأعرضوا عن محكمه، وعن السنة الثابتة التي تبين مراد الله بكتابه. فخالفوا السنة وإجماع الصحابة مع ما خالفوه من محكم كتاب الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon