فصاحب الخشية للّه ينيب إلى اللّه، كما قال :﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ ق : ٣١ - ٣٤ ]. وهذا يكون مع تمام الخشية والخوف.
فأما في مباديها، فقد يحصل للإنسان خوف من العذاب والذنب / الذي يقتضيه، فيشتغل بطلب النجاة والسلام، ويعرض عن طلب الرحمة والجنة.
وقد يفعل مع سيئاته حسنات توازيها وتقابلها، فينجو بذلك من النار ولا يستحق الجنة، بل يكون من أصحاب الأعراف. وإن كان مآلهم إلى الجنة فليسوا ممن أُزْلفت لهم الجنة ـ أي : قربت لهم ـ إذ كانوا لم يأتوا بخشية اللّه والإنابة إليه. واستجمل بعد ذلك.
فَصل
وأما قوله ـ في قصة فرعون ـ :﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [ طه : ٤٤ ]، وقوله :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ [ عبس : ٣، ٤ ]، فلا يناقض هذه الآية؛ لأنه لم يقل في هذه الآية [ سيخشى من يذكر ]، بل ذَكَرَ أن كل من خشى فإنه يتذكر؛ إما أن يتذكر فيخشى ـ وإن كان غيره يتذكر فلا يخشى، وإما أن تدعوه الخشية إلى التذكر. فالخشية مستلزمة للتذكر. فكل خاش متذكر.
كما قال تعالى :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ [ فاطر : ٢٨ ]، فلا يخشاه إلا / عالم. فكل خاش للّه فهو عالم. هذا منطوق الآية.
وقال السلف وأكثر العلماء : إنها تدل على أن كل عالم فإنه يخشى اللّه، كما دل غيرها على أن كل من عصى اللّه فهو جاهل.