وأما أهل البدع والضلالة ـ من الجهمية ونحوهم ـ فإنهم سلكوا / سبيل أعداء إبراهيم وموسى ومحمد، الذين أنكروا أن يكون اللّه كلم موسى تكليما واتخذ إبراهيم خليلا. وقد كلم اللّه محمدًا، واتخذه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ورفعه فوق ذلك درجات.
وتابعوا فرعون الذي قال :﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [ غافر : ٣٦، ٣٧ ]، وتابعوا المشركين الذين ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾ [ الفرقان : ٦٠ ]، واتبعوا الذين ألحدوا في أسماء اللّه.
فهم يجحدون حقيقة كونه الرحمن، أو أنه يرحم، أو يكلم، أو يود عباده أو يودونه، أو أنه فوق السموات. ويزعمون أن من أثبت له هذه الصفات فقد شبهه بالأجسام الحسية، وهى الحيوان كالإنسان وأن هذا تشبيه للّه بخلقه.
فهم قد شبهوه بالأجساد الميتة فيما هو نقص وعيب، وتشبيه دلت الكتب الإلهية والفطرة العقلية أنه عيب ونقص، بل يقتضي عدمه.
وأما أهل الإثبات، فلو فرض أن فيما قالوه تشبيها ما، فليس هو تشبيها بمنقوص معيب، ولا هو في صفة نقص أو عيب، بل في غاية ما يعلم أنه الكمال، وإن لصاحبه الجلال والإكرام.
فصار أهل السنة يصفونه بالوجود وكمال الوجود، وأولئك يصفونه بعدم كمال الوجود، أو بعدم الوجود بالكلية. فهم ممثلة معطلة؛ ممثلة في العقل والشرع، معطلة في العقل والشرع.
أما في العقل؛ فلأنهم مثلوه بالعدم والأجساد الموتان.
وأما في الشرع، فإنهم مثلوا ما جاءت به الرسل من صفاته بنفس صفات المخلوقات ـ وإن كان هذا التمثيل الذي ادعوا أنه معنى النصوص أقل تمثيلًا من تمثيلهم الذي ادعوه.


الصفحة التالية
Icon