وأما تعطيلهم في العقل، فإنه تعطيل للصفات؛ تعطيل مستلزم لعدم الذات؛ ولهذا ألجئ كثير منهم إلى نفي الذات بالكلية، وصاروا على طريقة فرعون؛ لا يقرون إلا بوجود المخلوقات، وإن كانوا قد ينافقون فيقرون بألفاظ لا معنى لها، أو بعبادات لا معبود لها.
وأما تعطيلهم للشرع، فإنهم جحدوا ما في كتب اللّه من المعانى وحرفوا الكلم عن مواضعه، أو قالوا : نحن كالأميين لا نعلم الكتاب إلا أمانى، أو : قلوبنا غلف.
وقالوا ـ لِما جاء به الرسول من الكتاب والسنة ـ نظير ما قالته الكفار :/ ﴿ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [ فصلت : ٥ ] و ﴿ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ ﴾ [ هود : ٩١ ].
وهكذا قال هؤلاء : لا نفقه كثيرًا مما يقول الرسول، وقالوا كما قال الذين يستمعون للرسول، فإذا خرجوا من عنده ﴿ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ﴾ [ محمد : ١٦ ].
وصاروا كالذين قيل فيهم :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٥، ٤٦ ].
فتدبر ما ذكره اللّه عن أعداء الرسل، من نفي فقههم وتكذيبهم، تجد بعض ذلك فيمن أعرض عن ذكر اللّه وعن تدبر كتابه، واتبع ما تتلوه الشياطين وما توحيه إلى أوليائها، واللّه يهدينا صراطًا مستقيمًا.


الصفحة التالية
Icon