ولهذا كانت هذه الجهمية المعطلة المشابهون للكفار والمشركين من الصابئة وغيرهم، الجاحدة لوجود الصانع أو صفاته، ترمى أهل العلم والإيمان والكتاب والسنة، تارة بأنهم يشبهون اليهود؛ لما في التوراة / وكتب الأنبياء من الصفات، ولما ابتدعه بعض اليهود من التشبيه المنفي عن اللّه، وتارة بأنهم يشبهون النصارى لما أثبتته النصارى من صفة الحياة والعلم، ولما ابتدعته من أن الأقانيم جواهر، وأن أقنوم الكلمة اتحد بالناسوت.
وهذا الرمي موجود في كلامهم قبل الإمام أحمد بن حنبل وفي زمنه، وهو موجود في كلامه وكلام أصحابه، حكاية ذلك ذكره في كتاب :[ الرد على الجهمية والزنادقة ]، وأنهم قالوا :[ إذا أثبتم الصفات فقد قلتم بقول النصارى ]، وَرَدَّ ذلك. وفي مسائله : أن طائفة قالوا له : من قال :[ القرآن غير مخلوق، أو هو في الصدور ] فقد قال بقول النصاري.
وهكذا الجهمية ترمي الصفاتية بأنهم يهود هذه الأمة. وهذا موجود في كلام متقدمى الجهمية ومتأخريهم، مثل ما ذكره أبو عبد اللّه محمد بن عمر الرازي الجهمي الجبري، وإن كان قد يخرج إلى حقيقة الشرك وعبادة الكواكب والأوثان في بعض الأوقات، وصنف في ذلك كتابه المعروف في السحر وعبادة الكواكب والأوثان. مع أنه كثيرًا ما يحرم ذلك وينهى عنه متبعًا للمسلمين وأهل الكتب والرسالة.
وينصر الإسلام وأهله في مواضع كثيرة، كما يشكك أهله ويشكك غير / أهله في أكثر المواضع. وقد ينصر غير أهله في بعض المواضع. فإن الغالب عليه التشكيك والحيرة، أكثر من الجزم والبيان.
وهؤلاء لهم أجوبة :
أحدها : أن مشابهة اليهود والنصارى ليست محذورًا إلا فيما خالف دين الإسلام، ونصوص الكتاب والسنة، والإجماع. وإلا فمعلوم أن دين المرسلين واحد، وأن التوراة والقرآن خرجًا من مشكاة واحدة.