وقد استشهد اللّه بأهل الكتاب في غير موضع، حتى قال :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ [ الأحقاف : ١٠ ].
فإذا أشهد أهل الكتاب على مثل قول المسلمين كان هذا حجة ودليلًا، وهو من حكمة إقرارهم بالجزية. فيفرح بموافقة المقالة المأخوذة من الكتاب والسنة لما يأثره أهل الكتاب عن المرسلين قبلهم. ويكون هذا من أعلام النبوة، ومن حجج الرسالة، ومن الدليل على اتفاق الرسل.
الثاني : أن المشابهة التي يدعونها ليست صحيحة. فإن أهل السنة / لا يوافقون اليهود والنصارى فيما ابتدعوه من الدين والاعتقاد؛ ولهذا قلت في بيان فساد قول ابن الخطيب : إنه لم يفهم مقالة أهل الحديث والسنة من الحنبلية وغيرهم، ولم يفهم مقالة النصارى، وأوضحت ذلك في موضعه، كما بين الإمام أحمد الفرق بين مقالة أهل السنة وبين مقالة النصارى المبتدعة، وكما يبين الفرق بين مقالة أهل السنة ومقالة اليهود المبتدعة.
الثالث : أنه إذا فرض مشابهة أهل الإثبات لليهود أو النصارى، فأهل النفي والتعطيل مشابهون للكفار والمشركين من النصارى وغيرهم. ومعلوم قطعًا أن مشابهة أهل الكتابين خير من مشابهة من ليس من أهل الكتاب، من الكفار بالربوبية والنبوات ونحوهم؛ ولهذا قيل : المشبه أعشى، والمعطل أعمى.
ولهذا فرح المؤمنون على عهد النبي ﷺ بانتصار النصارى على المجوس، كما فرح المشركون بانتصار المجوس على النصارى. فتدبر هذا، فإنه نافع في مواضع، واللّه أعلم.
ولهذا كان المعتزلة ونحوهم من القدرية مجوس هذه الأمة.
وهم يجعلون الصفاتية نصارى الأمة ويميلون إلى اليهود لموافقتهم / لهم في أمور كثيرة أكثر من النصارى، كما يميل طائفة من المتصوفة والمتفقرة إلى النصارى أكثر من اليهود.
فإذا كان الصفاتية إلى النصارى أقرب وضدهم إلى المجوس والمشركين أقرب تبين أن الصفاتية أتباع النبي ﷺ وأصحابه الذين فرحوا بانتصار الروم النصارى على فارس المجوس، وأن المعطلة هم إلى المشركين أقرب، الذين فرحوا بانتصار المجوس على النصارى.


الصفحة التالية
Icon