سُورَة الغَاشية
وقَال شَيْخ الإسْلام :
فَصْل
قوله :﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴾ [ الغاشية : ١ - ٥ ]، فيها قولان :
أحدهما : أن المعنى وجوه في الدنيا خاشعة، عاملة ناصبة، تصلى يوم القيامة نارًا حامية، ويعنى بها عُبَّاد الكفار كالرهبان، وعُبَّاد البدود [ البُدود : جمع بُدّ، والبُدُّ : الصنم الذي يعبد ]، وربما تُؤولت في أهل البدع كالخوارج.
والقول الثاني : أن المعنى أنها يوم القيامة تخشع، أى : تذل وتعمل وتنصب، قلت : هذا هو الحق لوجوه :
أحدها : أنه على هذا التقدير يتعلق الظرف بما يليه، أى : وجوه يوم الغاشية خاشعة عاملة ناصبة صالية. وعلى الأول : لا يتعلق إلا / بقوله :﴿ تصلى ﴾. ويكون قوله :﴿ خاشعة ﴾ صفة للوجوه قد فصل بين الصفة والموصوف بأجنبى متعلق بصفة أخرى متأخرة، والتقدير : وجوه خاشعة عاملة ناصبة يومئذ تصلى نارًا حامية. والتقديم والتأخير على خلاف الأصل، فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه لا تغيير ترتيبه.
ثم إنما يجوز فيه التقديم والتأخير مع القرينة، أما مع اللبس فلا يجوز؛ لأنه يلتبس على المخاطب، ومعلوم أنه ليس هنا قرينة تدل على التقديم والتأخير، بل القرينة تدل على خلاف ذلك، فإرادة التقديم والتأخير بمثل هذا الخطاب خلاف البيان، وأَمْر المخاطَب بفهمه تكليف لما لا يطاق.


الصفحة التالية
Icon