الوجه الثاني : أن الله قد ذكر وجوه الأشقياء ووجوه السعداء في السورة، فقال بعد ذلك :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ [ الغاشية : ٨ - ١٠ ]، ومعلوم أنه إنما وصفها بالنعمة يوم القيامة لا في الدنيا؛ إذ هذا ليس بمدح، فالواجب تشابه الكلام وتناظر القسمين لا اختلافهما، وحينئذ، فيكون الأشقياء وصفت وجوههم بحالها في الآخرة.
الثالث : أن نظير هذا التقسيم قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾ [ القيامة : ٢٢ - ٢٥ ]، وقوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾ [ عبس : ٣٨ - ٤٢ ]، وهذا كله وصف للوجوه لحالها في الآخرة لا في الدنيا.
الرابع : أن وصف الوجوه بالأعمال ليس في القرآن، وإنما في القرآن ذكر العلامة، كقوله :﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ﴾ [ الفتح : ٩٢ ]، وقوله :﴿ وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾ [ محمد : ٣٠ ]، وقوله :﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ [ الحج : ٧٢ ]، وذلك لأن العمل والنصب ليس قائمًا بالوجوه فقط، بخلاف السيما والعلامة.