الخامس : أن قوله :﴿ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ [ الغاشية : ٢، ٣ ]، لو جعل صفة لهم في الدنيا لم يكن في هذا اللفظ ذم، فإن هذا إلى المدح أقرب، وغايته أنه وصف مشترك بين عبَّاد المؤمنين وعبَّاد الكفار، والذم لا يكون بالوصف المشترك، ولو أريد المختص، لقيل : خاشعة للأوثان ـ مثلا ـ عاملة لغير الله، ناصبة في طاعة الشيطان، وليس في الكلام ما يقتضى كون هذا الوصف مختصًا بالكفار، ولا كونه مذمومًا. وليس في القرآن ذم لهذا الوصف مطلقًا، ولا وعيد عليه، فَحَمْلُه على هذا المعنى خروج عن الخطاب المعروف في القرآن.
السادس : أن هذا الوصف مختص ببعض الكفار ولا موجب للتخصيص، فإن الذين لا يتعبدون من الكفار أكثر، وعقوبة فساقهم في دينهم أشد في الدنيا والآخرة، فإن من كف منهم عن المحرمات المتفق عليها وأدى الواجبات المتفق عليها لم تكن عقوبته كعقوبة الذين يدعون مع الله إلهًا آخر، ويقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ويزنون. فإذا كان الكفر والعذاب على هذا التقدير في القسم المتروك أكثر وأكبر كان هذا التخصيص عكس الواجب.
السابع : أن هذا الخطاب فيه تنفير عن العبادة والنسك ابتداء، ثم إذا قيد ذلك بعبادة الكفار والمبتدعة وليس في الخطاب تقييد كان هذا سعيًا في إصلاح الخطاب بما لم يذكر فيه.