فأما الباء والفاء فهما الحرفان السببيان، فإن الباء أبدًا تفيد الإلصاق والسبب، وكذلك الفاء تفيد التعقيب والسبب؛ وبالأسباب تجتمع الأمور بعضها ببعض.
وأما الميم والواو فلهما الجمع والإحاطة، ألا ترى أن الميم ضمير لجمع المخاطبين في الأنواع الخمسة : ضميرى الرفع والنصب المتصلين والمنفصلين، وضمير الخفض في مثل قوله :[ أنتم ] و [ علمتم ] و [ إياكم ] و [ علمكم ] و [ بكم ] وضمير لجمع الغائبين في الأنواع الخمسة ـ أيضًا. والمضمر أيا كان، إما متكلم، أو مخاطَب، أو غائب، واحد أو اثنان أو جمع، مرفوع أو منصوب أو مجرور. فقد أحاطت بالجميع مطلقًا. أما الجمع المطلق فبنفسها، وأما الجمع المقدر باثنين فبزيادة علم التثنية، وهو الألف في مثل أنتما وعلمتما، وكذلك الباقى.
ولهذا زيدت الواو في الجمع المطلق فقيل : عليهموا، وأنتموا، كما زيدت الألف في التثنية، ومن حذفها حذفها تخفيفًا؛ ولأن ترك العلامة علامة، فصارت الميم مشتركة، ثم الفارق الألف أو عدمها مع الواو.
وأما الواو فلها جموع الضمائر الغائبة في مثل قالوا ونحوها، وأما المتصلة مثل إياكم وهم، فعلى اللغتين، فلما صارت الواو تمام المضمر المرفوع المنفصل، والياء تمام المؤنث، صارت للمؤنث ـ مطلقًا ـ في جميع أحواله؛ لأنه تلو المذكر، والمفرد مذكره ومؤنثه قبل المثنى والمجموع، فإن المفرد قبل المركب، ثم الألف صارت علم التثنية مطلقًا في المظهر والمضمر كما أن الواو علم لجمع المذكر، وجعل الياء علمى النصب والجر / في المظهر من المثنى والمجموع؛ لأن المظهر قبل المضمر وأقوى منه، فكانت أحق أن تكون فيه من الألف، فحين ما كان أقوى كانت الواو، وحين ما كان أوسط كان الياء.


الصفحة التالية
Icon