فقد قيل : إن [ ما ] مصدرية، والتقدير : والسماء وبناء الله إياها، والأرض وطحو الله إياها، ونفسٍ وتسوية الله إياها. لابد من ذكر الفاعل في الجملة، لا يصلح أن يقدر المصدرـ هنا ـ مضافًا إلى الفعل فقط، فيقال :[ وبنائها ] ؛ لأن الفاعل مذكور في الجملة في قوله :﴿ وَمَا بَنَاهَا ﴾، ﴿ وَمَا طَحَاهَا ﴾ فإن الفعل لابد له من فاعل في الجملة، ومفعول ـ أيضًا. فلابد أن يكون في التقدير الفاعل والمفعول. لكن إذا كانت مصدرية، كانت [ ما ] حرفًا ليس فيها ضمير، فيكون ضمير الفاعل في [ بناها ] عائدًا على غير مذكور، بل إلى معلوم، والتقدير : والسماء وما بناها الله، وهذا خلاف الأصل، وخلاف الظاهر.
والقول الثاني : أنها موصولة، والتقدير : الذي بناها، والذي طحاها، و [ ما ]، فيها عموم وإجمال، يصلح لما لا يعلم، ولصفات من يعلم كقوله تعالى :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٢، ٣ ]، وقوله :﴿ فّانكٌحٍوا مّا طّابّ لّكٍم مٌَنّ النٌَسّاء ٌ ﴾ [ النساء : ٣ ].
وهذا المعنى يجيء في قوله :﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ﴾ [ الليل : ٣ ].
وهذا المعنى كما أنه ظاهر الكلام وأصله هو أكمل في المعنى ـ أيضًا. فإن القَسَمَ بالفاعل، يتضمن الإقسام بفعله، بخلاف الإقسام بمجرد الفعل.
وأيضًا، فالأقسام التي في القرآن ـ عامتها ـ بالذوات الفاعلة وغير الفاعلة. يقسم بنفس الفعل، كقوله :﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴾ [ الصافات : ١ ـ ٣ ]، وكقوله :﴿ وَالنَّازِعَات ﴾ ِ [ النازعات : ١ ]، ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ ﴾ [ المرسلات : ١ ]، ونحو ذلك.