وهو - سبحانه - تارة يقسم بنفس المخلوقات، وتارة بربها وخالقها، كقوله :﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ ﴾ [ الذاريات : ٢٣ ]، وكقوله :﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ﴾ [ الليل : ٣ ]، وتارة يقسم بها وبربها.
وفي هذه السورة أقسم بمخلوق وبفعله، وأقسم بمخلوق دون فعله، فأقسم بفاعله.
فإنه قال :﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ [ الشمس : ١ ـ ٤ ]، فأقسم بالشمس والقمر والليل والنهار، وآثارها وأفعالها، كما فرق بينهما في قوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [ فصلت : ٣٧ ]، وقال :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٣٣ ]، فإنه بأفعال هذه الأمور وآثارها تقوم مصالح بنى آدم وسائر الحيوان.
وقال :﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾، ولم يقل :[ ونهارها ] ولا [ ضيائها ] لأن [ الضحى ] يدل على النور والحرارة جميعًا، وبالأنوار والحرارة تقوم مصالح العباد.
ثم أقسم بالسماء والأرض، وبالنفس، ولم يذكر معها فعلًا، فذكر فاعلها، فقال :﴿ وَمَا بَنَاهَا ﴾، ﴿ وَمَا طَحَاهَا ﴾، ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾.
فلم يصلح أن يقسم بفعل النفس، لأنها تفعل البر والفجور وهو ـ سبحانه ـ لا يقسم إلا بما هو معظم من مخلوقاته. لكن ذكر في ضمير القسم أنه خالق أفعالها بقوله :﴿ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٧، ٨ ]. فإذا كان قد بين أنه خالق فعل العبد الذي هو أظهر الأشياء فعلا واختيارًا وقدرة فلأن يكون خالق فعل الشمس، والقمر والليل، والنهار، بطريق الأولى والأحرى.
وأما السماء والأرض، فليس لهما فعل ظاهر يعظم في النفوس حتى يقسم بها إلا ما يظهر من الشمس، والقمر، والليل، والنهار.