والسماء والأرض أعظم من الشمس والقمر والليل والنهار، والنفس أشرف الحيوان المخلوق، فكان القسم بصانع هذه الأمور العظيمة مناسبًا، وكان إقسامه بصانعها تنبيهًا على أنه صانع ما فيها من الشمس والقمر والليل والنهار.
فتضمن الكلام الإقسام بصانع هذه المخلوقات، وبأعيانها، وما فيها من الآثار والمنافع لبنى آدم.
وختم القَسَم بالنفس، التي هى آخر المخلوقات، فإن الله خلق آدم يوم الجمعة آخر المخلوقات، وبين أنه خالق جميع أفعالها، ودل على أنه خالق جميع أفعال ما سواها.
وهو ـ سبحانه ـ مع ما ذكر من عموم خلقه لجميع الموجودات على مراتبها حتى أفعال العبد المنقسمة إلى التقوى والفجور وبين انقسام الأفعال إلى الخير والشر، وانقسام الفاعلين إلى مفلح وخائب، سعيد وشقى. وهذا يتضمن الأمر والنهي، والوعد والوعيد. فكان في ذلك رد على القدرية المجوسية الذين يخرجون أفعال العباد عن خلقه وإلهامه، وعلى القدرية المشركية، الذين يبطلون أمره ونهيه، ووعده ووعيده احتجاجًا بقضائه وقدره.
وقد قيل في قوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٩، ١٠ ] : إن الضمير عائد إلى [ الله ]، أي :( قد أفلح من زكاها الله، وقد خاب من دساها الله، وهذا مخالف للظاهر، بعيد عن نهج البيان الذي ألف عليه القرآن، إذ كان الأحسن :[ قد أفلحت من زكاها الله، وقد خابت من دساها ]، وهذا ضعيف.
وأيضًا، فقوله :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾، بيان للقدر، فلا حاجة إلى ذكره مرة ثانية عقب ذلك في مثل هذه السورة القصيرة.


الصفحة التالية
Icon