فإذا كان الضلال في القدر حصل ـ تارة ـ بالتكذيب بالقدر والخلق، وتارة بالتكذيب بالشرع والوعيد، وتارة بتظليم الرب، كان في هذه السورة ردًا على هذه الطوائف كلها.
فقوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]، إثبات للقدر بقوله :﴿ أَلْهَمَهَا ﴾، وإثبات لفعل العبد بإضافة الفجور والتقوى إلى نفسه ليعلم أنها هى الفاجرة والمتقية، وإثبات للتفريق بين الحسن والقبيح، والأمر والنهي، بقوله :﴿ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾.
وقوله ـ بعد ذلك :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٩، ١٠ ]، إثبات لفعل العبد، والوعد والوعيد بِفَلاَحِ مَنْ زَكَّى نفسه وخيبة من دساها. وهذا صريح في الرد على القدرية والمجوسية، وعلى الجبرية للشرع أو لفعل العبد، وهم المكذبون بالحق.
وأما المظلمون للخالق فإنه قد دل على عدله بقوله :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٧ ]، والتسوية : التعديل. فبين أنه عادل في تسوية النفس التي ألهمها فجورها وتقواها.
وذكر ـ بعد ذلك ـ عقوبة من كذب رسله وطغى، وأنه لا يخاف عاقبة انتقامه ممن خالف رسله، ليبين أن من كذب بهذا أو بهذا، فإن الله ينتقم منه ولا يخاف عاقبة انتقامه، كما انتقم من إبليس وجنوده، وأن تظلمه من ربه وتسفيهه له إنما يهلك به نفسه ولن يضر الله شيئًا.
( فإن العباد لن يبلغوا ضر الله فيضروه، ولن يبلغوا نفعه فينفعوه، ولو أن أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، كانوا على أتقى قلب رجل منهم، ما زاد ذلك في ملكه شيئًا، ولو أن أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، كانوا على أفجر قلب رجل منهم، ما نقص ذلك من ملكه شيئًا ).