ولهذا لما سأل عمران بن حصين أبا الأسود الدؤلى عن ذلك ليَحْزُرَ عقله :( هل يكون ذلك ظلمًا ؟ )، فذكر أن ذلك ليس منه ظلمًا، وخاف من قوله :﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ [ الإسراء : ٤٣ ]، وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهاده بهذه الآية.
وقد تبين أن القدرية الخائضين بالباطل، إما أن يكونوا مُكَذِّبين لما / أخبر به الرب من خلقه أو أمره، وإما أن يكونوا مظلمين له في حكمه. وهو ـ سبحانه ـ الصادق العدل، كما قال تعالى :﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [ الأنعام : ١١٥ ]. فإن الكلام إما إنشاء وإما إخبار. فالإخبار صدق، لا كذب، والإنشاء ـ أمر التكوين وأمر التشريع ـ عدل، لا ظلم. والقدرية المجوسية كذبوا بما أخبر به عن خلقه وشرعه من أمر الدين، والإبليسية جعلوه ظالمًا في مجموعهما، أو في كل منهما.
وقد ظهر ـ بذلك ـ أن المفترقين المختلفين من الأمة إنما ذلك بتركهم بعض الحق الذي بعث الله به نبيه وأخذهم باطلًا يخالفه، واشتراكهم في باطل يخالف ما جاء به الرسول. وهو من جنس مخالفة الكفار للمؤمنين كما قال تعالى :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ إلى قوله :﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ].
فإذا اشتركوا في باطل خالفوا به المؤمنين المتبعين للرسل نسوا حظًا مما ذكروا به فألقى بينهم العداوة والبغضاء، واختلفوا فيما بينهم في حق آخر جاء به الرسول، فآمن هؤلاء ببعضه وكفروا ببعضه، والآخرون يؤمنون بما كفر به هؤلاء ويكفرون بما يؤمن به هؤلاء.