وهذا يفسر حديث جابر الذي روى من طريق آخر كما أخرجاه من حديث يحيى بن أبي كثير، قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن. قال :﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [ المدثر : ١ ]. قلت : يقولون :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [ العلق : ١ ]. فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله ﷺ ـ قال :( جاورت بحراء، فلما قضيت جوارى هبطت فنوديت، فنظرت عن يمينى فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالى فلم أر شيئًا، ونظرت أمامى فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا. فرفعت رأسى فرأيت شيئًا. فأتيت خديجة فقلت : دثرونى وصبوا علىّ ماءً باردًا، فدثروني وصبوا علي ماءً باردًا ). / قال :( فنزلت :﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ ) [ المدثر : ١ - ٣ ].
فهذا الحديث يوافق المتقدم، وإن [ المدثر ] نزلت بعد أن هبط من الجبل وهو يمشى، وبعد أن ناداه الملك ـ حينئذ. وقد بين في الرواية الأخرى أن هذا الملك هو الذي جاءه بحراء، وقد بينت عائشة أن ﴿ اقْرَأْ ﴾ نزلت حينئذ في غار حراء. لكن كأنه لم يكن علم أن ﴿ اقًرأ ﴾ نزلت ـ حينئذ، بل علم أنه رأى الملك قبل ذلك، وقد يراه ولا يسمع منه. لكن في حديث عائشة زيادة علم، وهو أمره بقراءة ﴿ اقْرَأْ ﴾.
وفي حديث الزهرى أنه سمى هذا [ فَتْرَة الوحي ]، وكذلك في حديث عائشة [ فَتْرَة الوحي ]. فقد يكون الزهري روى حديث جابر بالمعنى، وسمى ما بين الرؤيتين [ فترة الوحي ] كما بينته عائشة، وإلا فإن كان جابر سماه [ فترة الوحي ] فكيف يقول : إن الوحي لم يكن نزل ؟


الصفحة التالية
Icon