وقال ـ سبحانه ـ ﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [ العلق : ٢ ]، بعد أن قال :﴿ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [ العلق : ١ ]، فأطلق الخلق الذي يتناول كل مخلوق، ثم عين خلق الإنسان فكان كلما يعلم حدوثه داخلًا في قوله :﴿ الَّذِي خَلَق ﴾. َ
وذكر بعد الخلق التعليم ـ الذي هو التعليم بالقلم، وتعليم الإنسان ما لم يعلم. فخص هذا التعليم الذي يستدل به على إمكان النبوة.
ولم يقل ـ هنا :[ هدى ]، فيذكر الهدى العام المتناول للإنسان / وسائر الحيوان، كما قال في موضع آخر :﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [ الأعلى : ١ ـ ٣ ]، وكما قال موسى ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [ طه : ٥٠ ] ؛ لأن هذا التعليم الخاص يستلزم الهدى العام، ولا ينعكس. وهذا أقرب إلى إثبات النبوة، فإن النبوة نوع من التعليم.
وليس جعل الإنسان نبيًا بأعظم من جعله العَلَقَة إنسانًا، حيًا، عالمًا، ناطقًا، سميعًا، بصيرًا، متكلمًا، قد علم أنواع المعارف، كما أنه ليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته. والقادر على المبدأ كيف لا يقدر على المعاد ؟ والقادر على هذا التعليم كيف لا يقدر على ذاك التعليم وهو بكل شيء عليم، ولا يحيط أحد من علمه إلا بما شاء ؟
وقال ـ سبحانه ـ أولا :﴿ عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾، فأطلق التعليم والمعلم، فلم يخص نوعًا من المعلمين. فيتناول تعليم الملائكة وغيرهم من الإنس والجن، كما تناول الخلق لهم كلهم.
وذكر التعليم بالقلم؛ لأنه يقتضى تعليم الخط، والخط يطابق اللفظ وهو البيان والكلام. ثم اللفظ يدل على المعانى المعقولة التي في القلب فيدخل فيه كل علم في القلوب.