والمقصود ـ هنا ـ أن طائفة من النُظَّار ـ مثبتة الصفات ـ أرادوا / سلوك سبيل السنة ولم يكن عندهم إلا هذه الطريق.
فاستدلوا بخلق الإنسان، لكن لم يجعلوا خلقه دليلا كما في الآية، بل جعلوه مستدلا عليه. وظنوا أنه يعرف بالبديهة والحس حدوث أعراض النطفة. وأما جواهرها فاعتقدوا أن الأجسام كلها مركبة من الجواهر المنفردة، وأن خلق الإنسان وغيره إنما هو إحداث أعراض في تلك الجواهر بجمعها وتفريقها، ليس هو إحداث عين.
فصاروا يريدون أن يستدلوا على أن الإنسان مخلوق. ثم إذا ثبت أنه مخلوق قالوا : إن له خالقًا.
واستدلوا على أنه مخلوق بدليل الأعراض، وأن النطفة والعلقة والمضغة لا تنفك من أعراض حادثة، إذ كان عندهم جواهر تجمع تارة وتفرق أخرى، فلا تخلو عن اجتماع وافتراق، وهما حادثان. فلم يخل الإنسان عن الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها.
وهذه هي الطريقة التي سلكها الأشعرى في :( اللمع في الرد على أهل البدع )، وشرحه أصحابه شروحًا كثيرة. وكذلك في :[ رسالته إلى أهل الثغر ]. وذكر قوله تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾ [ الواقعة : ٥٨، ٥٩ ]، فاستدل على أن الإنسان مخلوق بأنه مركب من الجواهر التي لا تخلو من اجتماع وافتراق، فلم تخل من الحوادث، فهي حادثة.
وهذه الطريقة هي مقتضية من كون الأجسام كلها كذلك.


الصفحة التالية
Icon