ولهذا كان استدلالهم بطريقة الجواهر والأعراض على هذا الوجه مما أنكره عليهم أئمة الدين، وبينوا أنهم مبتدعون في ذلك، بل / بينوا ضلالهم شرعًا وعقلاً، كما بسط كلام السلف والأئمة عليهم في غير هذا الموضع، إذ هو كثير.
فالقرآن استدل بما هو معلوم للخلق من أنه :﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [ العلق : ٢ ]. وهؤلاء جاؤوا إلى هذا المعلوم فزعموا أنه غير معلوم، بل هو مشكوك فيه. ثم زعموا أنهم يذكرون الدليل الذي به يصير معلومًا. فذكروا دليلا باطلًا لا يدل على حدوثه، بل يظن أنه دليل وهو شبهة، ولها لوازم فاسدة.
فأنكروا المعلوم بالعقل، ثم الشرع، وادَّعوا طريقًا معلومة بالعقل وهي باطلة في العقل، والشرع. فضاهوا الذين قال الله فيهم :﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [ الملك : ١٠ ].
وكذلك في إثبات النبوات وإمكانها، وفي إثبات المعاد وإمكانه، عدلوا عن الطريق الهادية ـ التي توجب العلم اليقينى التي هدى الله بها عباده ـ إلى طريق تورث الشك والشبهة والحيرة. ولهذا قيل : غاية المتكلمين المبتدعين الشك، وغاية الصوفية المبتدعين الشطح.
ثم لها لوازم باطلة مخالفة للعقل والشرع، فألزموا لوازمها التي أوجبت لهم السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات. وتكلموا / في دلائل النبوة والمعاد، ودلائل الربوبية بأمور، وزعموا أنها أدلة وهي عند التحقيق ليست بأدلة. ولهذا يطعن بعضهم في أدلة بعض.
وإذا استدلوا بدليل صحيح فهو مطابق لما جاء به الرسول وإن تنوعت العبارات.
ولهذا قد يستدل بعضهم بدليل ـ إما صحيح وإما غير صحيح ـ فيطعن فيه آخر، ويزعم أنه يذكر ما هو خير منه، ويكون الذي يذكره دون ما ذكره ذاك. وهذا يصيبهم كثيرًا في الحدود، يطعن هؤلاء في حد هؤلاء، ويذكرون حدًا مثله أو دونه.