وتكون الحدود كلها من جنس واحد، وهي صحيحة إذا أريد بها التمييز بين المحدود وغيره. وأما من قال : إن الحدود تفيد تصوير ماهية المحدود، كما يقوله أهل المنطق، فهؤلاء غالطون ضالون، كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع. وإنما الحد مُعرَّف للمحدود، ودليل عليه، بمنزلة الاسم، لكنه يفصل ما دل عليه الاسم بالإجمال، فهو نوع من الأدلة، كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع.
إذ المقصود ـ هنا ـ التنبيه على الفرق بين الطريق المفيد للعلم واليقين ـ كالتي بينها القرآن ـ وبين ما ليس كذلك من طرق أهل البدع الباطلة شرعًا وعقلًا.
فَصْل
وهؤلاء الذين بنوا أصل دينهم على طريقة الأعراض والاستدلال بها على حدوث الأجسام اضطربوا كثيرًا، كما قد بسط في مواضع. ولابد لكل منهم مع مخالفته للشرع المنزل من السماء إلى أن يخالف ـ أيضًا ـ صريح العقل ويكابر، فيكون ممن لا يسمع ولا يعقل.
فإن القول له لوازم، فإذا كان باطلًا فقد يستلزم أمورًا باطلة ظاهرة البطلان. وصاحبه يريد إثبات تلك اللوازم، فيظهر مخالفته للحس والعقل.


الصفحة التالية
Icon