والقول الثانى : قول من يقول بإرادة واحدة قديمة مثل هؤلاء، لكن يقول : تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته بتلك المشيئة القديمة، كما تقوله الكرَّامية وغيرهم.
وهؤلاء أقرب من حيث أثبتوا إرادات الأفعال. ولكن يلزمهم ما لزم أولئك من حيث أثبتوا حوادث بلا سبب حادث، وتخصيصات بلا مُخَصِّص، وجعلوا تلك الإرادة واحدة تتعلق بجميع الإرادات الحادثة، / وجعلوها ـ أيضًا ـ تخصص لذاتها، ولم يجعلوا عند وجود الإرادات الحادثة شيئًا حدث حتى تخصص تلك الإرادات الحدوث.
والقول الثالث : قول الجهمية والمعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به. ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة، أو يفسرونها بنفس الأمر والفعل، أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين.
وكل هذه الأقوال قد علم ـ أيضًا ـ فسادها.
والقول الرابع : أنه لم يزل مريدًا بإرادات متعاقبة، فنوع الإرادة قديم وأما إرادة الشيء المعين فإنما يريده في وقته.
وهو ـ سبحانه ـ يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها. فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته أراد فعله فالأول عزم، والثاني قصد.
وهل يجوز وصفه بالعزم ؟ فيه قولان : أحدهما المنع، كقول القاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى. والثاني الجواز، وهو أصح. فقد قرأ جماعة من السلف :( فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله )، بالضم. وفي الحديث / الصحيح من حديث أم سلمة :( ثم عزم الله لي ). وكذلك في خطبة مسلم :( فعزم لي ).
وسواء سمى [ عزمًا ] أو لم يسم، فهو ـ سبحانه ـ إذا قدرها، علم أنه سيفعلها في وقتها، وأراد أن يفعلها في وقتها. فإذا جاء الوقت فلابد من إرادة الفعل المعين، ونفس الفعل، ولابد من علمه بما يفعله.


الصفحة التالية
Icon