ثم الكلام في علمه بما يفعله هل هو العلم المتقدم بما سيفعله ؟ وعلمه بأن قد فعله هل هو الأول ؟ فيه قولان معروفان. والعقل والقرآن يدل على أنه قدر زائد، كما قال :﴿ لنعلم ﴾ في بضعة عشر موضعًا، وقال ابن عباس : إلا لنرى.
وحينئذ، فإرادة المعين تترجح لعلمه بما في المعين من المعنى المرجح لإرادته. فالإرادة تتبع العلم.
وكون ذلك المعين متصفًا بتلك الصفات المرجحة، إنما هو في العلم والتصور، ليس في الخارج شيء.
ومن هنا غلط من قال :[ المعدوم شيء ]، حيث أثبتوا ذلك المراد في الخارج. ومن لم يثبته شيئًا في العلم، أو كان ليس عنده إلا إرادة / واحدة وعلم واحد، ليس للمعلومات والمرادات صورة علمية عند هؤلاء. فهؤلاء نفوا كونه شيئًا في العلم والإرادة، وأولئك أثبتوا كونه شيئًا في الخارج.
وتلك الصورة العلمية الإرادية حدثت بعد أن لم تكن. وهي حادثة بمشيئته وقدرته، كما يُحدث الحوادث المنفصلة بمشيئته وقدرته. فيقدر ما يفعله، ثم يفعله.
فتخصيصها بصفة دون صفة، وقدر دون قدر هو للأمور المقتضية لذلك في نفسه. فلا يريد إلا ما تقتضى نفسه إرادته بمعنى يقتضي ذلك، ولا يرجح مرادًا على مراد إلا لذلك.
ولا يجوز أن يرجح شيئًا لمجرد كونه قادرًا. فإنه كان قادرًا قبل إرادته، وهو قادر على غيره. فتخصيص هذا بالإرادة لا يكون بالقدرة المشتركة بينه وبين غيره.
ولا يجوز ـ أيضًا ـ أن تكون الإرادة تُخَصَّص ـ مثلًا ـ على مثل بلا مُخَصِّص، بل إنما يريد المريد أحد الشيئين دون الآخر لمعنى في المريد والمراد، لابد أن يكون المريد إلى ذلك أميل، وأن يكون في المراد ما أوجب رجحان ذلك الميل.
والقرآن والسنة تثبت القدر، وتقدير الأمور قبل أن يخلقها، وأن ذلك في كتاب، وهذا أصل عظيم يثبت العلم والإرادة لكل ما سيكون ويزيل إشكالات كثيرة ضل بسببها طوائف في هذا المكان ـ في مسائل العلم والإرادة.