وأما المخالفون لهم، فقد قال عن المنتسبين إليهم مع بدعة :﴿ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٣٤ ]. فهؤلاء أخذوا أموالهم ومنعوهم سبيل الله، ضد الرسل فكيف بمن هو شر من هؤلاء من علماء المشركين، والسحرة، والكهان ؟ فهم أوكل لأموالهم بالباطل، وأصد عن سبيل الله من الأحبار والرهبان.
وهو ـ سبحانه ـ قال :﴿ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ﴾، فليس كلهم كذلك، بل قال في موضع آخر :﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [ المائدة : ٨٢ ].
وقد قال في وصف الرسول :﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ [ التكوير : ٢٤ ]. وفيها قراءتان. فمن قرأ :[ بظنين ]، أي : ما هو بمتهم على الغيب، بل هو صادق أمين فيما يخبر به. ومن قرأ :﴿ بِضَنِينٍ ﴾، أى : ما هو ببخيل، لا يبذله إلا بعوض، كالذين يطلبون العوض على ما ىعلمونه.
فوصفه بأنه يقول الحق فلا يكذب، ولا يكتم. وقد وصف أهل الكتاب بأنهم يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا، وأنهم يشترون به ثمنًا قليلًا.
ومع هذا وهذا قد أمده بالصبر على أذاهم، وجعله كذلك يعطيهم ما هم محتاجون إليه غاية الحاجة ـ بلا عوض، وهم يكرهونه ويؤذونه عليه.
وهذا أعظم من الذي يبذل الدواء النافع للمرضي، ويسقيهم إياه بلا عوض ـ وهم يؤذونه ـ كما يصنع الأب الشفيق. وهو أب المؤمنين.


الصفحة التالية
Icon