وإذا رفع رأسه حمد فقال :( سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ). فيحمده في هذا القيام، كما يحمده في القيام الأول إذا قرأ أم القرآن.
فالتحميد والتوحيد مقدم على مجرد التعظيم؛ ولهذا اشتملت الفاتحة على هذا؛ أولها تحميد، وأوسطها تمجيد، ثم في الركوع تعظيم الرب، وفي القيام يحمده، ويثنى عليه، ويمجده.
فدل على أن التعظيم المجرد، تابع لكونه محمودًا وكونه معبودًا. فإنه يحب أن يُحْمَد ويُعْبَد، ولابد ـ مع ذلك ـ من التعظيم، فإن التعظيم لازم لذلك.
وأما التعظيم، فقد يتجرد عن الحمد والعبادة على أصل الجهمية. فليس ذلك بمأمور به، ولا يصير العبد به لا مؤمنًا، ولا عابدًا، ولا مطيعًا.
وأبو عبد الله بن الخطيب الرازى يجعل الجلال للصفات السلبية، والإكرام للصفات الثبوتية، فيسمى هذه [ صفات الجلال ]، وهذه [ صفات الإكرام ]. وهذا اصطلاح له، وليس المراد هذا في قوله :/ ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ]، وقوله :﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [ الرحمن : ٧٨ ].
وهو في مصحف أهل الشام :[ تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ]. وهي قراءة ابن عامر، فالاسم نفسه يذوى بالجلال والإكرام. وفي سائر المصاحف ـ وفي قراءة الجمهور :﴿ ذي الجلال ﴾، فيكون المسمى نفسه.
وفي الأولى :﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾. فالمذوى وجهه ـ سبحانه ـ وذلك يستلزم أنه هو ذو الجلال والإكرام. فإنه إذا كان وجهه ذا الجلال والإكرام، كان هذا تنبيهًا، كما أن اسمه إذا كان ذا الجلال والإكرام كان تنبيهًا على المسمى.
وهذا يبين أن المراد : أنه يستحق أن يُجل ويُكرم.
فإن الاسم نفسه يسبح ويذكر ويراد بذلك المسمى. والاسم نفسه لا يفعل شيئًا، لا إكرامًا ولا غيره؛ ولهذا ليس في القرآن إضافة شيء من الأفعال والنعم إلى الاسم.


الصفحة التالية
Icon