قوله تعالى في أول ما أنزل :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [ العلق : ١ ]، وقوله :﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [ العلق : ٣ ].
ذكر في الموضعين بالإضافة التي توجب التعريف، وأنه معروف عند المخاطبين، إذ الرب ـ تعالى ـ معروف عند العبد بدون الاستدلال بكونه خلق. وأن المخلوق مع أنه دليل وأنه يدل على الخالق، لكن هو معروف في الفطرة قبل هذا الاستدلال؛ ومعرفته فطرية، مغروزة في الفطرة، ضرورية، بديهية، أولية.
وقوله :﴿ اقْرَأْ ﴾ وإن كان خطابًا للنبى ﷺ أولا، فهو / خطاب لكل أحد، سواء كان قوله :﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ هو خطاب للإنسان مطلقًا، والنبى ﷺ أول من سمع هذا الخطاب، أو من النوع، أو هو خطاب للنبى ﷺ خصوصًا، كما قد قيل في نظائر ذلك.
مثل قوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [ النساء : ٧٩ ]، قيل : خطاب له، وقيل : خطاب للجنس، وأمثال ذلك. فإنه وإن قيل : إنه خطاب له، فقد تقرر أن ما خوطب به من أمر ونهي فالأمة مخاطبة به ما لم يقم دليل التخصيص.
وبهذا يبين أن قوله تعالى :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [ يونس : ٩٤ ]، يتناول غيره، حتى قال كثير من المفسرين : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره. أي : هم الذين أريد منهم أن يسألوا لِمَا عندهم من الشك، وهو لم يرد منه السؤال إذ لم يكن عنده شك.


الصفحة التالية
Icon