ولا شك أن هذا لا يمنع أن يكون هو مخاطبًا ومرادًا بالخطاب، بل هذا صريح اللفظ، فلا يجوز أن يقال : إن الخطاب لم يتناوله. ولأن ليس في الخطاب أنه أمر بالسؤال مطلقًا، بل أمر به إن كان عنده شك، وهذا لا يوجب أن يكون عنده شك. ولا أنه أمر به / مطلقًا، بل أمر به إن كان هذا موجودًا، والحكم المعلق بشرط عدم عند عدمه.
وكذلك كثير من المفسيرين يقول في قوله :﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [ البقرة : ١٤٧ ]، وفي قوله :﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَّ ﴾ [ الأحزاب : ٤٨ ]، ونحو ذلك : إن الخطاب لرسول ﷺ والمراد به غيره. أي : غيره قد يكون ممتريا ومطيعًا لأولئك فنهي، وهو لا يكون ممتريًا ولا مطيعًا لهم.
ولكن بتقدير أن يكون الأمر كذلك فهو ـ أيضًا ـ مخاطب بهذا، وهو منهي عن هذا. فالله ـ سبحانه ـ قد نهاه عما حرمه من الشرك، والقول عليه بلا علم، والظلم، والفواحش. وينهي الله له عن ذلك وطاعته لله في هذا استحق عظيم الثواب، ولولا النهي والطاعة لما استحق ذلك.
ولا يجب أن يكون المأمور المنهي ممن يشك في طاعته ويجوز عليه أن يعصى الرب، أو يعصيه مطلقًا ولا يطيعه، بل الله أمر الملائكة مع علمه أنهم يطيعونه، ويأمر الأنبياء مع علمه أنهم يطيعونه، وكذلك المؤمنون كل ما أطاعوه فيه قد أمرهم به مع علمه أنهم يطيعونه.
ولا يقال : لا يحتاج إلى الأمر، بل بالأمر صار مطيعًا مستحقًا لعظيم الثواب.
ولكن النهي يقتضي قدرته على المنهي عنه، وأنه لو شاء لفعله، ليثاب على ذلك إذا تركه. وقد يقتضي قيام السبب الداعى إلى فعله فينهي عنه، فإنه بالنهي وإعانة الله له على الامتثال يمتنع مما نهي عنه إذا قام السبب الداعى له إليه.
وكذلك قد قيل في قوله :﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [ البقرة : ٢١١ ] : إنه أمر للرسول، والمراد به هو والمؤمنون. وقيل : هو أمر لكل مكلف.


الصفحة التالية
Icon