فقوله في هذه السورة :﴿ اقْرَأْ ﴾، كقوله في آخرها :﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [ العلق : ١٩ ]، وقوله :﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [ الضحى : ٩ ـ ١١ ]، هذا متناول لجميع الأمة. وقوله :﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [ المزمل : ١، ٢ ]، فإنه كان خطابا للمؤمنين كلهم.
وكذلك قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ ﴾ [ المدثر : ١، ٢ ] لما أُمِرَ بتبليغ ما أنزل إليه من الإنذار. وهذا فرض على الكفاية. فواجب على الأمة أن يبلغوا ما أنزل إليه وينذروا كما أنذر. قال تعالى :﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [ التوبة : ١٢٢ ] والجن لما سمعوا القرآن، ﴿ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [ الأحقاف : ٢٩ ].
وإذا كان كذلك، فكل إنسان في قلبه معرفة بربه. فإذا قيل له :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، عرف ربه الذي هو مأمور أن يقرأ باسمه، كما يعرف أنه مخلوق، والمخلوق يستلزم الخالق ويدل عليه.
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع، وبين أن الإقرار والاعتراف بالخالق فطرى ضرورى في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة. وهذا قول جمهور الناس، وعليه حُذَّاق النظار، أن المعرفة تارة تحصل بالضرورة، وتارة بالنظر. كما اعترف بذلك غير واحد من أئمة المتكلمين.
وهذه الآية ـ أيضًا ـ تدل على أنه ليس النظر أول واجب، بل أول ما أوجب الله على نبيه ﷺ :﴿ ا اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، لم يقل :[ انظر واستدل حتى تعرف الخالق ].


الصفحة التالية
Icon