وكذلك هو أول ما بلغ هذه السورة، فكان المبلغون مخاطبين بهذه الآية قبل كل شيء ولم يؤمروا فيها بالنظر والاستدلال.
وقد ذهب كثير من أهل الكلام إلى أن اعتراف النفس بالخالق وإثباتها له، لا يحصل إلا بالنظر.
ثم كثير منهم جعلوا ذلك نظرًا مخصوصًا، وهو النظر في الأعراض، وأنها لازمة للأجسام، فيمتنع وجود الأجسام بدونها.
قالوا : وما لا يخلو عن الحوادث، أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث.
ثم منهم من اعتقد أن هذه المقدمة بينة بنفسها، بل ضرورية، ولم يميز بين الحادث المعين والمحدود وبين الجنس المتصل شيئًا بعد شيء؛ إما لظنه أن هذا ممتنع، أو لعدم خطوره بقلبه. لكن، وإن قيل هو ممتنع، فليس العلم بذلك بديهيًا.
وإنما العلم البديهي أن الحادث الذي له مبدأ محدود كالحادث والحوادث المقدرة من حين محدود فتلك ما لايسبقها فهو حادث. وما لا يخلو منها لم يسبقها فهو حادث. فإنه إذا لم يسبقها كان معها أو متأخرًا عنها. وعلى التقديرين فهو حادث.
وأما إذا قدر حوادث دائمة شيئًا بعد شيء، فهذا إما أن يقال : هو ممكن، وإما أن يقال : هو ممتنع. لكن العلم بامتناعه يحتاج إلى دليل، ولم تُعْلَم طائفة معروفة من العقلاء قالوا : إن العلم بامتناع هذا بديهي ضرورى، ولا يفتقر إلى دليل.
بل كثير من الناس لا يتصور هذا تصورًا تامًا، بل متى تصور الحادث قدر في ذهنه مبدأ، ثم يتقدم في ذهنه شيء قبل ذلك، ثم شيء قبل ذلك، لكن إلى غايات محدودة بحسب تقدير ذهنه، كما يقدر الذهن عددًا بعد عدد، ولكن كل ما يقدره الذهن فهو منته.
ومن الناس من إذا قيل له :[ الأزل ] أو :[ كان هذا موجودًا في الأزل ]، تصور ذلك. وهذا غلط، بل [ الأزل ] ما ليس له أول، كما أن [ الأبد ] ليس له آخر، وكل ما يومئ إليه الذهن من غاية فـ [ الأزل ] وراءها. وهذا لبسطه موضع آخر.