كما قال تعالى :﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [ النحل : ١٢٥ ]، فالحكمة تعريف الحق، فيقبلها من قبل الحق بلا منازعة. ومن نازعه هواه وعظ بالترغيب والترهيب.
فالعلم بالحق يدعو صاحبه إلى اتباعه؛ فإن الحق محبوب في الفطرة، وهو أحب إليها. وأجل فيها، وألذ عندها من الباطل الذي لا حقيقة له؛ فإن الفطرة لا تحب ذاك.
فإن لم يدعه الحق والعلم به خوف عاقبة الجحود والعصيان، وما في ذلك من العذاب فالنفس تخاف العذاب بالضرورة. فكل حى يهرب مما يؤذيه بخلاف النافع.
فمن الناس من يتبع هواه، فيتبع الأدنى دون الأعلى. كما أن منهم من يكذب بما خوف به، أو يتغافل عنه، حتى يفعل ما يهواه. فإنه إذا صدق به واستحضره لم يبعث نفسه إلى هواها، بل لابد من نوع من الغفلة والجهل حتى يتبعه؛ ولهذا كان كل عاص لله جاهلا، كما قد بسط هذا في مواضع.
إذ المقصود ـ هنا ـ التنبيه على أن قوله :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، فيه تنبيه على أن الرب معروف عند المخاطبين، وأن الفطر مقرة به.
وعلى ذلك، دل قوله :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ﴾ الآية [ الأعراف : ١٧٢ ]، كما قد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع.
وكذلك قول الرسل :﴿ أَفِي اللّهِ شَكٌّ ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ]، هو نفي، أى ليس في الله شك. وهو استفهام تقرير يتضمن تقرير الأمم على ما هم مقرون به من أنه ليس في الله شك، فهذا استفهام تقرير.